بسم الله الرحمن الرحيم
[size=18]محاسبة النفس .. ظاهرة صحية إيمانياً
تمر بنا الأيام وتتوالى السنون، ويتناقص العمر ويقترب من نهايته، ومن المحال بقاء الحال، فلقد أمرنا الله أن نعمل ونجتهد، وأن ندع الكسل والتواكل.. فهذا هو التواكل بعينه.
فهل فكرت يوما أين أنت من الله؟ وفي أي مكانة تريد أن تكون بعد ذلك؟ هل أنت على حال تجعله سبحانه راضيا عنك؟ هل استعددت حقا للقاء الله؟ هل أديت ما عليك؟ هذه الأسئلة وغيرها لا بد أن يسألها كل مسلم لنفسه إن كان حقا يريد أن يكون من الغانمين والفالحين.
فإذا أراد أحدنا أن يؤسس لشركة أو مشروع فلا بد أن يخطط ويدبر، ويحدد الأهداف التي يسعى لتحقيقها. وأنت أخي العزيز تؤسس لحياة كاملة.. حياة أبدية ليس بعدها ممات، ولذا فأرى أنه من الأوجب علينا أن ننظر ماذا نحن فاعلون به.
وأهم سؤال يجب أن تتوقف عنده: أين كنت قبل اليوم؟ وماذا تريد أن تكون بعده؟ وهذا هو السؤال الذي لا بد منه لكل من يريد أن يخطط لأمر جديد؛ لابد وأن يحدد ما كان عليه قبل مشواره، وأين يريد أن يكون بعد أن يقطعه.
ولذا فسوف نفترض معًا بعض الافتراضات لما كنا عليه قبل اليوم، وأخرى لما نريد أن نكون عليه بعده، والأمر متروك لك أن تحذف من هذه الافتراضات أو تضيف.
كنت قبل اليوم
أريد أن أكون بعده
1-لا أحافظ على الصلاة في وقتها.
هذا ما ستحدده أنت
2- علاقتي الأسرية مهزوزة.
3- لا أحافظ على مواعيدي.
4- غير واصل لرحمي.
5 - غير منتظم في عملي.
6- ............ ......... ...
7- ............ ......... ...
............ ......... ...... إلخ
ولكن عليك أن تحدد فعلا ماذا تريد، وما أنت في حاجة إليه بالفعل، لا أن تكون مجرد أمنيات ترد على ذهنك الآن. فلا بد أن تكون واقعيا مع نفسك؛ ففي علاقتك بالله لا تكن كمن يجيب عليك إذا سألته كيف أنت؟ قال: بخير، وهو لا يستطيع أن يحدد معنى الخير الذي يريده.
ولكن كن كالصحابي الْحَارِثِ بن مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ؛ إذ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: "كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟" قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، فَقَالَ: "انْظُرْ مَا تَقُولُ؟ فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟"، فَقَالَ: قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي، وَاطْمَأَنَّ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: "يَا حَارِثُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ"، ثَلاثًا.
وهذا هو سيدنا موسى -عليه السلام- يقول عندما سأله ربنا سبحانه وتعالى بأن يذهب إلى فرعون: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}. فقال وهو يعلم تمامًا الحال التي هو عليها: { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ}.
وقال في موضع آخر: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} فهو مقدم على مشروع مهم جدا، ولذا فقد حدد أولا ما هو عليه (الآن) حتى يستطيع أن يحدد ماذا يريد.
وهكذا لا بد أن تكون صادقا مع نفسك فيما تحدده في الأيام المقبلة، بل وفي كل حياتك. ولا بد أن تحدد بكل ثقة ويقين أين أنت الآن؟ وهذا هو الشرط الأول والأساسي في مشروعك مع العبادة.
ثم نأتي للشق الثاني من السؤال: أين تريد أن تكون؟ إذا استطعت أن تحدد أين أنت الآن، فقد قطعت نصف المشوار، ووضعت قدمك على أولى درجات سلم النجاح في تحقيق ما تريد، ولكن السلم بالطبع طويل، وسيطول أكثر وأكثر إذا كنت لا تستطيع أن تحدد إلى أين تريد الوصول، ولذا فأين تريد أن تكون؟
في النصف الثاني من الجدول سوف تقوم بوضع ماذا تريد أن تكون عليه بعد اليوم:
كنت قبل اليوم
أريد أن أكون بعده
تم تحديده مسبقا
1- محافظا على الصلاة في مواعيدها.
2- مستقرا في علاقتي الأسرية.
3- محافظا على مواعيدي.
4- واصلاً لرحمي.
5- منتظما في عملي.
6- ............ ......... ...
7- ............ ......... ...
............ ......... ......... . إلخ
وهناك من يود أن يظل مكانه، ولا يريد أن يتحرك منه، وهناك من يتمنى أن ينطلق إلى السماء. ولكن المهم أن تعرف ماذا تريد حتى لا تتعب نفسك فيما لا يفيد، فإنك إن لم تحدد غايتك من الوصول إلى نهاية الطريق فلن تستطيع بالطبع الوصول، وستظل تمشي إلى ما لا نهاية ولا مصير.
فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع من حارثة: "أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا"، ولذا فقد زهد في الدنيا فأصبح تراب الأرض عنده مثل تِبْرها (ذهبها)، أصبح لا يبغي إلا السعي إلى دخول الجنة التي يراها عن يمينه، والفرار من النار التي يراها عن شماله، هكذا وقتها قال النبي صلى الله عليه وسلم لحارثة: "عرفت فالزم". نعم.. لقد اطمئن النبي صلى الله عليه وسلم على جنديه فأمره بأن يلتزم بطريقه ويواصل السير فيه.
ورد الله سبحانه وتعالى على سيدنا موسى عليه السلام بعد أن سأله عن ما يحتاجه في دعوة فرعون، قال: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى}، قال ربنا سبحانه لموسى بعد أن تأكد موسى مما يحتاج إليه: اذهب الآن إلى فرعون بعد أن اكتملت عدتك واحتياجاتك، وهكذا يحدد موسى حاله، ويحدد ماذا يريد، ويطلب العون من الله أن يعينه على ما ينقصه، ثم ينطلق في العمل.
فكما يقولون: "إذا كنت لا تعرف إلى أي ميناء تبحر، فإن كل الرياح غير مواتية". ولكن ربما نسي بعضنا بعض الأمور أو الطموحات التي يمكن أن يصل إليها خلال هذا الشهر، فلا تعجز ولا تيأس، ولكن يمكنك أن تستدرك ما فاتك، وتحدد أثناء العمل ما تريده.
وحين تحدد أهدافك كن واقعيا، وفي الوقت نفسه كن عالي الهمة، شامخ الرأس، وصوب ناحية السماء حتى تصيب أقرب النجوم من الأرض، ولن نقول المئذنة، فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن